|
جابرييل
خوسيه جارسيا ماركيز روائي وصحفي وناشر وناشط سياسي كولمبي. ولد في مدينة أراكاتاكا في مديرية ماجدالينا وعاش معظم حياته في المكسيك وأوروبا ويقضي حالياً معظم وقته في مكسيكو سيتي. نال جائزة نوبل للأدب عام 1982 م وذلك تقديرا للقصص القصيرة والرويات التي كتبها.
بداياته
بدأ ماركيز ككاتب في صحيفة إلإسبكتادور الكولومبية اليومية ، ثمّ عمل بعدها مراسلا في كل من روما وباريس وبرشلونة وكراكاس ونيويورك. كان أول عمل له قصة بحار السفينة المحطمة حيث كتبها كحلقات متسلسلة في صحيفة عام 1955 . كانت قصة حقيقية لسفينة مغمورة الذكر عملت الحكومة على محاولة إشهارها. سبب له هذا العمل عدم الشعور بالأمان في كولومبيا مما شجعه على بدء العمل كمراسل أجنبي. نشر هذا العمل في 1970 م واعتبره الكثيرون رواية.
أدبه
كثيرا ما يعتبر ماركيز من أشهر كتاب الواقعية العجائبية أو السحرية ، والعديد من كتاباته تحوي عناصر شديدة الترابط بذلك الإسلوب، ولكن كتاباته متنوعة جداً بحيث يصعب تصنيفها ككل بأنها من ذلك الأسلوب. وتصنف الكثير من أعماله على أنها أدب خيالي أو غير خيالي وخصوصا عمله المسمى حكاية موت معلن 1981 التي تحكي قصة ثأر مسجلة في الصحف ، وعمله المسمى الحب في زمن الكوليرا 1985 الذي يحكي قصة الحب بين والديه.
ومن أشهر رواياته مائة عام من العزلة 1967 ، والتي بيع منها أكثر من 10 ملايين نسخة والتي تروي قصة قرية معزولة في أمريكا الجنوبية تحدث فيها أحداث غريبة. ولم تكن هذه الروابة مميزة لاستخدامها السحر الواقعي ولكن للاستخدام الرائع للغة الإسبانية. دائما ما ينظر إلى الرواية عندما تناقش على انها تصف عصورا من حياة عائلة كبيرة ومعقدة. وقد كتب أيضا سيرة سيمون دو بوليفار في رواية الجنرال في متاهة.
ومن أعماله المشهورة الأخرى خريف البطريرك عام 1975 ، وأحداث موت مُعلن عام 1981 ، والحب في زمن الكوليرا عام 1986 .
تم اقتباس روايته( قصة موت معلن ) وتحويلها إلى عمل مسرحي في حلبة مصارعة الثيران بقيادة المخرج الكولومبي الشهير خورخي علي تريانا.
ومن كتبه كتاب اثنتا عشرة قصة مهاجرة ، وقد ظهرت من قبل كمقالات صحفية وسيناريوهات سينمائية، ومسلسلاً تلفزيونيا لواحدة منها، فهي قصص قصيرة تستند إلى وقائع صحفية، ولكنها متحررة من شرطها الأخلاقي بحيل شعرية.
كما أصدر مذكراته بكتاب بعنوان عشت لأروي والتي تتناول حياته حتى عام 1955 م, وكتاب مذكرات عاهراتي السود تتحدث عن ذكريات رجل مسن ومغامراته العاطفية، والأم الكبيرة.
عام 2002 م قدم سيرته الذاتية في جزئها الأول وكان للكتاب مبيعات ضخمة في عالم الكتب الإسبانية. نشرت الترجمة الإنجليزية لهذه السيرة أعيش لأروي على يد ايدث جروسمان عام 2003 م وكانت من الكتب الأكثر مبيعا.
في 10 سبتمبر 2004 أعلنت بوغوتا ديلي إيلتيمبو نشر رواية جديدة في أكتوبر بعنوان (Memoria de mis putas tristes) وهي قصة حب سيطبع منها مليون نسخة كطبعة أولى.
عرف عن ماركيز صداقته مع القائد الكوبي فيدل كاسترو وأبدى قبل ذلك توافقه مع الجماعات الثورية في أمريكا اللاتينية وخصوصا في الستينيات والسبعينيات. وكان ناقدًا للوضع في كولومبيا ولم يدعم علنيا الجماعات المسلحة مثل فارك FARC وجيش التحرير الوطنيELNالتي تعمل في بلاده.
الجانب الآخر للموت
غابرييل جارسيا ماركيز
".. كانوا يُسافرون في قطار – أذكر ذلك الآن- غالبني ماراودني مثل هذا الحلم – مثل الطبيعة الصامتة المرقّشة بأشجار صناعية زائفة مثقلة الأغصان بفواكه من الأمواس و المقصات و ادوات حانوت الحلاق المختلفة – أذكر الآن أنه كان يتعين علي قصي شعري – تراءى له ذلك الحلم كثيراً، لكنه لميثر قط ذلك الخوف في اعماقه. هنالك خلف أحدى الأشجرا و قف أخوه، الآخر التوأم، ملوحاً – حدث لي ذلك في الواقع في مكان ما - لكي يوقف القطار. و لما اقتنع بعبث الرسالة التي لوّح بها شرعَ وراء القاطرة الى ان سقَطَ لاهثاً و فد غطّى الزَّبد فمه. كان ذلك حلمه العبثي اللاعقلاني بالطبع، و لكن لم يكُن ثمّة مايدعوه لأن يحدث هذه اليقظة المزعجة. أغمض عينيه من جديد، ولايزال صدغاه ينبضان بدفع الدم الذي سرى هاتفاً في عروقه مثلما فبضة مُطبقة. مضى القطار الى منطقة جدباء، مقفرة، تثير الانقباض في النفس. جعله ألم أحس به في ساقه اليسرى يصرف انتباهه عن المناظر الطبيعية. لاحظ أنه في أصبع قدمه الأوسط- ينبغي ألا استمر في انتعال هذه الأحذية الضيقة. كان هنالك تورّم. وبصورة طبيعية، و كما لو كانت تلك عادته، انتزع من جيبه مفكّاً، وانتزع رأسُ الورَم به. وصغه بعناية في صندوق صغير أزرق- هل بمقدورك أن ترى ألواناً في الأحلام؟- ولمح متطلّعاً من خلال الجرح نهاية خيط دهني أصفر. جذبه دون ان يستشعر ضيقاً او ألماً. بعد لحظة رفع عينيه، فرأى عربة القطار خاوية و أن الوحيد الباقي في عربة أخرى من القطار هو أخوه، الذي يرتدي زي أمرأة، و يقف أمام مرآة محاولاً اقتلاع عينه اليسرى بمقص. .."
-- -- -- -- -- -- -- -- -- --
".. أغمض عينيه محاولاً تحطيم الإيقاع المتصاعد لتنفسه، استمات ليصل الى موضوع تافه عله يغوص في قرار الحلم الذي انقطع سياقه قبل لحظات. كان بوسعه على سبيل المثال أن يفكر في أنني عليّ خلال ثلاث ساعات أن أمضي الى حانوت إعداد الجنازات لتسديد النفقات. في الركن كان هناك صرار ليل يقظ يرفع الصوت بصريرة و يملأ الغرفة بزوره الحاد القاطع. شرع التوتّر العصبي يتراجع وئيداً و إن يكن على نحو فعّال، فلاحظ من جديد تراخي و مرونة عضلاته. أحس أنه سقط على الوسادة اللينة الغليظة، فيما اجتاح جسده الخفيف الذي تجرّد من الثقل شعور عذب بالبهجة والفتور، و فقد وعيه بهيكله المادي، ذلك الكيان الثقيل الأرضي الذي يحدّده و يضعه في بقعة بعينها لاسبيل الى الخطأ بإزائها في قياس المملكة الحيوانيّة، و الذي يحمل الكثير من الأجهزة والأعضاء المحددة المكان، والذي يرفعه الى القمّة التعسفية للحيوانات العاقلة. تراخت جفونه على عينية مرقشتين بالكرى على النحو الطبيعي ذاته الذي تشابكت به ساقاه وذراعاه في تجميع للأطراف راح يفقد ببطء استقلاله تماماً كما لو كان الكيان بأسره تحول الى كيان واحد كلي، وتخلى هو -الرجل- عن جذوره الفانية ليتغلغل في الجذور الأخرى الأكثر عمقاً وثباتاً، الجذور الخالده لحلم متكامل ومحدّد. في الخارج، ومن الجانب الآخر لدنيا كان بمقدوره أن سمع أغنية صرار اللليل تخفت الى أن اختفت من نطاق حواسه التي دلفت الى الداخل، فغمرته في رحاب مفهوم جديد و بعيد عن التعقيد للزمان والمكان ماحية وجود العالم المادي، العضوي و المؤلم و المتخم بالحشرات و روائح الأقحوان والفورمالدهايد الخانقة. .."
__________________
|