2024-09-19 18:51:44
بطريرك العرب

________________

 لكي لا ننسى ج 1 المثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع معوض
الجزء الأول
لكـي لا ننســـى
نص الخطاب الذي ألقاه بطريرك العرب المثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع معوض بطريرك أنطاكية وسائر المشرق باسم المسيحيين العرب أمام مؤتمر قمة لاهور الإسـلامي المنعقد مابين 22 ـ 24 / 2 / 1974.
( نقلاً عن مجلة نشرة بطريركية الروم الأرثوذكس الصادرة في آذار 1974 ) .
" ما أجمل وما أحلى أن يسكن الإخوة معاً قاصدين ربهم في لقاء كريم " .
أصحاب الجلالة والسمو والفخامة
يطيب لوفدنا , والله قبلتنا , أن نحييكم تحية المحبة وأن ندعو لمؤتمركم بالفلاح , والقدس محجتكم على دروب الحرية ونحن وإياكم مقدسيون رجاءً وعزماً وبذلاً . وكيف نكون للمقدسية ناسين ويقيننا أن المدينة العظيمة قد غدت معراج الإنسانية إلى الله والقيم النازلة من وحيه المبارك , ملتقى المؤمنين بـه وقد تبتلوا للسلام في دار الإسلام والمسيحية , في مواصلة الطاعة لله والإخلاص للإنسان .
وقد جئناكم من كنائس المشرق بعدما جمعنا الود إليكم جيلاً بعد جيل, وتبلورت بلطف الله وفضله في ديارنا إنسانية واحدة, وقد وعينا في عمق هذه الإنسانية , إننا نحمل للعالم المسيحي كله نداء فلسطين إذا احتجب هنا وثمة عن أذنيه .
وإنه لمن دواعي غبطتنا أن نخاطب المسيحيين من قلب هذا المؤتمر الإسلامي الكبير, وأن نخاطب مسلمي الأرض في آن واحد لنقول لهم كلهم أن القدس اعتزازهم وفخرهم وأن ترابها إذا أنعتق بالعدل وللعدل بعد مجاهدة موصولة , إنما هو مصدر بركات للإنسان الجديد الذي سيظهر في عالمنا , لرفع الظلم عن أرضه ونفسه , ويطيب لنا في هذا المقام , وفي امتدادنا إلى هذه الآفاق , أن نحيي قداسة البابا بولس السادس في حرصه الدائم على القدس ومقاومته تهويدها , وإصراره على أن تبقى مدينة الإيمان , إذ ذاك تتجلى في ضياء باهر منهلاً للروح , وسيرى إليها المعذبون وهم يتطلعون إلى الرؤى العظيمة من خلال آلامهم لتصبح رمز نهضة للمستضعفين في الأرض كأنها شوقهم الواحد إلى غد التصاعد حتى الكمال .
إن هذا الفيض من البهاء الذي يكلل القدس ونشتاقه , لنابع من قدسية الكلمة التي كانت إليها ومنها , ولكنه في آن معاً نابع من استمرارية الشعب العربي الذي قطنها وأجلي بعضه عنها منذ ربع قرن .
إن هذا الشعب لا يزال حياً نابضاً مكافحاً بغية الرجوع , وإن كان من عودة حق فهي له لأنه بذلك يكون قد التحق بمنشئه واستقر في بيته , وإن القوم لمؤتمنون على حضارة كبرى ورسالة ناطقة خيراً للناس .
إن استمرارية التراث الذي يحمله الإنسان الفلسطيني لدعوة إلى قدس سيستعيدها أهلها ليسكنوا , فالبشر لا الحجر هم الحضور , فلسطينية القدس هي الوجه الإنساني والكوني الذي به تطل على العالم , لأن الدعوة الفلسطينية إن هي إلا تلاقي الناس على تعدد مللهم ونحلهم في الشورى والمعرفة والحقيقة .
والأماكن المقدسة لن تعني الكثير , ما لم يعش حولها المؤمنون من أهل البلاد , إذا غابوا عنها تبقى أثراً بعد عين , وهم فيها يتهجدون وقد لاصقوها من دون انقطاع منذ ألفي سنة , ومنها تلك المواجهة الحافلة بكريم المعاني , لما التقى الخليفة عمر بطريرك القدس في تقدير ومودة , وفي جهادنا المشترك اليوم , بات اللقاء بين المسلمين والنصارى , لقاء خلق واحد في وسط عروبة صافية , ذلك أن الصهيونية أتت بانكفاء عنصرية وعنجهية عسكرية وإجلاء السكان , وقلبت مقاييس الفهم في الشرق العربي , ولم تتورع عن تغيير المعالم التاريخية للمدينة المقدسة , متعدية على الميراث المقدسي الموحد , الذي يملأ حياتنا حبوراً ووثبات خلق , ونحن نريد معكم القدس معقل روحانية طاهرة يدافع فيه عن الإنسان , فيما نحـج إلى الله ونرسي المدينة المقبلة مع كل أهل الأرض , لا على شهوة الاستغلال , بل على التآخي والحق الراهن الضامن لمشاركة بين الشعوب خصبة طيبة . والسلام عليكم


اليان جرجي خباز