2024-07-02 11:50:17
أكياس النايلون وأشجار الزيتون

منذ سنين كنت تتجول في سهول صحنايا

منذ سنين كنت تتجول في سهول صحنايا ومروجها الفسيحة النضرة التي تغريك بقوة, يؤنسك الاخضرار,تتضاحك أمامك أشجار التفاح والمشمش والخوخ والتين واللوز والجوز والتوت ..تجود عليك بثمارها وعطاءاتها الطيبة...

تحار إلى أية شجرة تنظر وتحت أي منها تتفيأ ... قد تقضي ساعات في التأمل والتفكر.. تخلد إلى نفسك وأحياناً إلى قراءاتك إلى جانب سواقي المياه اللاهثة نحو البساتين والحقول وهي تغرف بخريرها أعذب الألحان, أو تنسى نفسك في ظلال الياسمين وشجيرات الورد الجوري البلدي, أو شجيرات الزيزفون التي تعطر الفضاءات بأريجها...

ولكن التجول في غابات الزيتون كان له طعم آخر ورونق متميز, فهذه الأشجار المباركة السخية تجود على الإنسان بخيراتها, إنها أشجار نبيلة شامخة صامدة صابرة, تتحدى البرد والجفاف وعصف الريح وتجاوزات البشر.... للجلوس في أحضان بساتين الزيتون متعة خاصة, تتنفس الهواء النقي وتتفيأ بظلال وارفة, تنتعش بالخضرة النضرة, تشعر بالراحة والسكينة والسعادة, تطربك زقزقة العصافير وهديل الحمام وهسهسة العشب وخرير الماء وحفيف الشجر...

لقد أغوت غابات الزيتون الناس بالزيارة والتنزه للاستمتاع بالطبيعة الساحرة ورقة نسائمها ولطف مساءاتها و اشراقة صباحاتها ... فمنذ بضع سنوات أصبحت غابات الزيتون في صحنايا مقصداً للكثيرين من خارج البلدة,يقصدونها أيام الجمعة والعطل ليقضوا في رحابها يوماً أو جزءاً منه يحضرون أنواع الطعام, ويقومون بشي اللحوم, ويتناولون الطعام والشراب وأصناف الفاكهة ومواد التسلية المختلفة .

ومن المعروف أن يرد الوفاء بالوفاء والجميل بالجميل, فهذه الأشجار والنباتات تقدم كل ما لديها وتبسط كل أمكانتها لخدمة الإنسان وإسعاده وإضفاء البهجة على حياته.. ولكن عندما تنتهي نزهة هؤلاء المتنزهين فإنك تصعق حقاً, فهم يتركون الأوساخ المتراكمة وبقايا الأطعمة وقشور الفواكه والأشد فتكاً, والأسوأ من ذلك بكثير نثر أكياس النايلون هنا وهناك بعد استخدامها في حفظ الأطعمة.

هذه الأكياس تعد سموماً حقيقية للإنسان والحيوان والنبات والبيئة, فلو تتبعنا رحلتها وما تسببه من أضرار جسيمة لذهلنا حقاً, تجدها تتطاير وتتناثر وكأنها كائنات عجيبة هبطت من كواكب خرافية تشوه المكان وتعكر جماله أو تجدها مزروعة في الأرض أو متغلغلة في التربة, أو تشكل حبل مشنقة يلف على غصن شجرة أو ساق نبات ....

إن انغراسها في التربة يفضي إلى تكون طبقة كتيمة تمنع تسرب الماء والهواء إلى أعماق التربة وجذور النباتات فتسبب جفافها ومن ثم موتها.

وقد تتجمع المياه في أكياس النايلون فتكون بؤرة جرثومية, وفي البحار تعمل هذه الأكياس على سد غلاصم الأسماك وتفضي إلى موت جماعي للأسماك, كما أنها تمنع الضوء عن النباتات والحيوانات البحرية, والنتيجة أيضاً تموت الحياة البحرية .

وتفيد الدراسات العلمية وآراء العلماء المتخصصين بأن مادة النايلون سيئة الذكر ذائعة الصيت لا تتحلل إلا بعد مئتي عام تقريباً وبذلك تجثم على صدر التربة وجذور النباتات فتسبب لها مزيداً من الأضرار .

وقد تأكلها بعض الحيوانات كالماعز عندما تعلق بالأعشاب فتسبب للحيوان انسداد قناته الهضمية ومن ثم الاختناق فالموت.

والحديث عن أكياس النايلون يفضي إلى الحديث عن مادة البلاستيك أيضاً واستخدامها في كثير من الحاجات ولاسيما حفظ الأطعمة والمشروبات وتغطية المواد الغذائية وسوى ذلك الكثير, فلعل هاتين المادتين أصبحتا الأكثر انتشار في حياتنا اليومية والأكثر خطراً أيضاً.

ليس جديداً القول إن درجة الحرارة المرتفعة ووجود المواد الدهنية عوامل تحرر مادة الديوكسبن السامة من البلاستيك, تختلط مع الطعام وتتجه نحو خلايا الجسم, وقد توصلت العديد من الدراسات الصحية إلى أن مادتي النايلون والبلاستيك تؤديان إلى الإصابة بمرض السرطان وأمراض الكبد والرئتين .

فيا أيها المصطافون المحترمون رفقاً بالطبيعة وبجمالها ورفقاً بالبيئة, رفقا بغابات الزيتون والنبات الأخضر, من نار الشيء وأوساخ الطعام ومخلفات التسلية, رفقاً بالبيئة ومن أدوات النشر والاقتلاع وغابات الاسمنت, رفقاً بالطبيعة والبيئة والحياة من ذلك العدو المستتر الناعم السيئ الذكر الذائع الصيت أكياس النايلون.

ويا أولي الأمر في البلديات والمحافظة لنعمل معاً على صون هذه النباتات الخضر والأشجار التي تحرس الإنسان وتضمن بقاءه.

ويا أبناء وطننا فلنقم بحملات التنظيف والتوعية الصحية والبيئة للحفاظ على بيئة تضمن استمرار الحياة فيها.

عفاف لطف الله



admin