2024-11-09 21:59:53
رياضة روحية

رياضة روحية

رياضة روحية

العزلة مشكلة يعاني منها عدد غير قليل من الأطفال والمراهقين والبالغين.

إنه من الطبيعي أن الإنسان لا يستطيع العيش إلا ضمن الجماعة, ولاتستوي الحياة إلا في الجماعات, ولا يرى المرء نفسه إلا من خلال الجماعة,ولايكتشف قدراته الكامنة إلا مع الآخرين, ولهذا تعد الجماعة مرآة الإنسان, وهي تضيف اليه الكثير من الخبرات والمعارات والأفكار, وتكسبه المواقف والعواطف والعادات, وهي تهذب السلوك والدوافع وتذكي روح التنافس بين الأفراد,بل تزيد ذكاء الإنسان وطاقاته وقدراته.

ومع ذلك نجد الكثيرين يختارون العزلة عن الجماعة أو يجبرون عليها لأسباب متعددة بعضها خلقية تتصل بالشكل الخارجي كالسمنة أو الطول الزائد أو القصر المفرط أو تكوين وراثي آخر...

ولكن الأسباب الأساسية لهذه الظاهرة أو المشكلة سوء التربية والممارسات الخاطئة التي يقوم بها المربون من أهل أو معلمين أو سواهم إزاء الأطفال أو المراهقين كممارسة القسوة والعنف والسخرية والاستخفاف وحرمان الأبناء من الاختلاط بالآخرين فيهرب الطفل إلى ذاته وينكفئ على نفسه نتيجة إحباطه وسوء معاملة الأهل له, وأحياناً يهرب إلى عزلة بسبب سوء العلاقات الاجتماعية السائدة وعدم الرضا عما يجري في المجتمع الصغير أي على نطاق الأسرة أو نطاق المجتمع, فيؤثر المرء الهروب من الآخرين تعبيراً عن رفضه لممارسات خاطئة أو أنماط سلوك ملتوية .

قد يختار الإنسان العزلة نتيجة عدم فهم الآخرين له أو عدم تقديرهم واحترامهم له, أو عدم تحقيق حاجاته العليا كالحاجة إلى المحبة والمكانة والاحترام والحرية وتقدير الذات وإثباتها .

ولاشك في أن المرء عندما يجبر على العزلة أو يختارها يخسر الكثير من الفرص في التعلم والاكتساب والمتعة والشعور بالسعادة, وقد بينت الدراسات التي أجريت في هذا المجال أن العزلة تؤدي إلى تراجع القدرات والذكاء,وأحياناً إصابة ببعض الأمراض النفسية والفيزيولوجية وفي بعض الحالات الموت المبكر .

ولتجنب العزلة والقضاء عليها دعا المربون إلى ما يسمى بالتربية الروحية وذلك بترويض حواس الإنسان وتدريبه على تقبل الصعوبات والمنغصات والمشكلات بروح المسؤولية والتفهم والمرونة واستنفار الطاقات وحث العقل على إيجاد الحلول الناجعة للتغلب على المشكلات التي تصادفه, وكذلك تنمية علاقات المحبة والثقة والتواصل مع الآخرين, وتكوين الصداقات وتقبل الذات ومحبتها واحترامها وتقبل الآخرين كما هم ومحبتهم والتماس الأعذار لهم .

ولاشك في أن ترشيد أوقات الفراغ والاستفادة منها بممارسة الهوايات المفيدة وتنمية المواهب وتصعيد الدوافع والنزعات والميول كلها عوامل تقهر العزلة وتهزمها, وتعلي الإنسان وترتقي بعواطفه وقدراته وتشحذ سلوكه وأفكاره وطباعه.

وبطبيعة الحال فإن قهر العزلة وكسر طوقها لا يعني عدم لجوء الإنسان إلى ذاته في أوقات كثيرة, فذلك ضروري لمحاسبة الذات وتقويمها وتربية النفس ومحاسبتها على نحو مستمر, إضافة إلى التفكر والتأمل واستبطان الذات, وهي رياضة روحية تجدد حياة الإنسان وتضفي عليها مزيداً من البهجة والتجدد, وتلون الحياة بألوان زاهية جميلة.



عفاف لطف الله



admin