2024-09-19 18:50:52
المازوت .. وصبر الناس ... بقلم : خيرا لله علي

صرنا في النصف الأول من تشرين الثاني ، والحكومة لم تحرك ساكنا في مسألة المازوت المدعوم . وإذا كان ثمة التباس عند الحكومة بشأن تشرين الثاني على أنه شهر خريفي ولا داعي للعجلة ، فإنها نظريا على حق

المازوت .. وصبر الناس ... بقلم : خيرا لله علي
مقالات واراء

صرنا في النصف الأول من تشرين الثاني ، والحكومة لم تحرك ساكنا في مسألة المازوت المدعوم . وإذا كان ثمة التباس عند الحكومة بشأن تشرين الثاني على أنه شهر خريفي ولا داعي للعجلة ، فإنها نظريا على حق ، لأن تشرين الثاني وحسب تقسيم الفصول ، يشكل الشهر الأخير من فصل الخريف ، لكنه عمليا وعلى مر السنوات التي عشناها ، هو شهر شتائي بامتياز، وهذا يعني أنه شهر بارد ، وأكثر من يتأثر بموجة البرد الأولى هذه ، هم الأطفال .


وبرد هذه الأيام على قول الإمام علي كرم الله وجهه ؛ يفعل بالأبدان فعله بالأفنان ، أي أنه يحرقها كما يحرق أوراق الحور. ومع ذلك ، فالحكومة المصونة لم تفعل شيئا ، بل إنها تفعل أكثر من أنها لم تفعل شيئا ، حيث تمارس مع الناس ، الذين من المفترض أنهم رعاياها ، لعبة شد أعصاب من الدرجة الأولى ، بالرغم من أن أعصاب هؤلاء المساكين تكاد تتحطم بدون شد . 

الحكومة تظن أنها بهذه العشرة ألاف ليرة التي ستعطيها لكل دفتر عائلة تنتشل هذه العائلات من الجحيم إلى النعيم ، وتوفر لهم دفئا عميما لا يحول ولا يزول إلى آخر قطرة مطر من العام المقبل ، وكأنما المرتبات الشهرية التي يتقاضاها الموظفون في الدولة تفيض عن حاجاتهم ، ويوفرون منها للسياحة في تركيا والدول الاسكندينافية في مطلع كل موسم اصطيافي  .

ربما لم ترفع مصارف التسليف والعقاري والتجاري والزراعي والمصارف الخاصة والإسلامية وغيرها ، بياناتها بعد للحكومة ، لكي تطلعها على المتبقيات من رواتب موظفيها الذين قبّلوا أيادي الكفلاء ، ورشوا موظفي هذه المصارف لكي يحصلوا على مبالغ تؤمن لهم الغسالة والبراد وحاجات أخرى أساسية ، أو لتأمين مأوى لا يصلح للسكن في العشوائيات السيئة الصيت . 

هذه الحكومة التي تمنّن الناس على الطالعة والنازلة بما هو واجب عليها تجاههم ، وتطلب منهم بذل المزيد من الجهد من أجل الوطن ، تنسى أن راتب الموظف يجب أن يؤمن له الأكل والشرب والمسكن والدواء والدفء ، وحتى السياحة ، فهل يكفي راتب موظف جامعي لاستئجار بيت في أقصى ضواحي دمشق ، أو حلب ، أو دير الزور ؟ أو حتى في سكن المخالفات ؟

ونسأل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، كم رب أسرة لديه مسؤوليات إضافية تجاه والدين غير موظفين وعجزة ، أو أخت أو أكثر عاطلة عن العمل ، وأحيانا من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون للدواء والعلاج والرعاية  ؟ أي ، كم ثغرة على هذا المعاش المسكين أن يسدها  ؟

فضلا عن كل ذلك ، فاٍن الشروط التي تضعها الحكومة لتقديم هذا المبلغ الزهيد لمن تخمن أنهم بحاجة إليه ، تدل وكأنما هذه الحكومة تريد أن تحصي على الناس عدد مرات الشهيق والزفير خلال اليوم ، إذ لا يجوز لهذا المواطن أن يسترخي بدخل إضافي من مصدر آخر جاهد في تأمينه ، أو من شقة يؤجرها ، بعد أن كان قد صرف نصف عمره لشرائها من أجل ولده عندما يكبر ، ولكي لا "يتعتر" كما "تعتر" هو  .

واٍلى كل ما سبق ، إذا كانت حاجة كل أسرة ، وسطيا ، من المازوت ألف لتر في كل موسم ، فمعنى ذلك أن الأسرة تحتاج لألفي ليرة مع دعم الدولة لها في كل شهر من أشهر الشتاء الممتدة من تشرين الثاني حتى آذار . هل هذه أعباء خفيفة على كاهل هذه الأسر المنهكة  ؟ ويستغربون لماذا تتزايد الجلطات والسرطانات بين الخلق !

           

"الأدق رقبة" من كل ذلك ، أن تأخر قرارات الحكومة جمد حركة بائعي المازوت. فقد تعودنا مع أول زخة مطر أن تصم آذاننا أبواق سيارات هؤلاء الباعة الذين يترقبون مثلهم مثل كل عباد الله قرارات الحكومة ، ليعرفوا على أي جنب ينامون ، إنما مع غيابهم صار على كل من يريد أن يؤمن الدفء لأسرته ، أن ينتشل عبوات العشرين لتر بين يديه ، ويهدر من وقته الساعات لكي يعود بقليل من الابتسامة لثغور أطفاله الصغار الذين لايحق لهم ، كما يبدو ، أن يتساووا مع أولاد حديثي النعمة .



منقول سيريانيوز