2024-09-19 11:43:11
أليس الفساد خيانة عظمى ...

أليس الفساد خيانة عظمى ...

أليس الفساد خيانة عظمى ...: جمال العلي
مساهمات القراء

قبل أيام صدر تقرير منظمة الشفافية الدولية ووضع سوريا في المرتبة 126 من أصل 180 دولة مما يعني أنها من أكثر الدول فساداً على مستوى العالم والغريب أن الحكومة لم تهتم بهذا الأمر ولم تنبس ببنت شفة تجاهه وكأنه لم يكن ولا ندري حتى اليوم ما سر هذا الصمت

فكيف لبلد مقبل على عقد اتفاق شراكة أوربية وانفتاح اقتصادي وسياسي على المجتمع الدولي أن لا يهتم بالمقاييس العالمية أليس من المفروض أن تتعامل الحكومة مع هذا المؤشر الخطير بجدية وحزم وتعمل على خفضه إلى حدوده الدنيا إن لم نقل إعدامه

على الرغم من أن السيد رئيس الجمهورية لم يوفر مناسبة سواء في اجتماعاته بالحكومة أو القيادات الحزبية إلا ويؤكد فيها على مكافحة الفساد ومحاربته

فالفساد ليس مجرد مؤشر بحت بل هو نتيجة لقوانين بالية مليئة بالثغرات التي تسهل خرقها من قبل الفاسدين كما أنه آلية عمل روتيني طويل يدفع المواطن إلى اللجوء إلى تجاوز هذه الآلية المعقدة عبر الرشى والمحسوبيات والسؤال هنا هل هذا أمر مقصود ؟ وهل هناك من يصدر ثغرات بهيئة قرارات حتى تشكل وسيلة للكسب والاستغلال غير المشروع وهل هناك من يريد الحفاظ على آلية العمل الحكومي الحالية والتي يعرف القاصي والداني صعوبة الإجراءات وكثرة التشعبات والروتين والتعقيدات فيها

علينا أن نفرق أولاً بين الفساد والفاسدين فالفاسد هو شخص استغل تلك القوانين المهترئة والآليات المعقدة وبنى من خلالها علاقات ونفوذ وثروات أما الفساد فهو شبكة قائمة على تلك القوانين والآليات لذا يجب القضاء على الفساد من خلال عملية تغيير شامل على مستوى القوانين وسن قوانين جديدة عصرية تتمتع بالمرونة و يصعب اختراقها ويحاسب مخالفوها بحزم دون تمييز

كما يجب تعديل آلية العمل الحكومي من خلال تبسيط الإجراءات وتقليل دوران المعاملة والمواطن من خلفها والعمل بمبدأ التغذية العكسية أي التقييم المستمر لنتائج القوانين والإجراءات ومدى نجاحها على أرض الواقع في خدمة العمل الحكومي والمواطن على حد سواء والعمل على تعديلها بما يلاءم مصلحة الدولة والمواطن والانتقال من مرحلة الجمود إلى مرحلة المرونة وقابلية التكيف مع المتغيرات

كما يجب تفعيل دور الرقابة والمحاسبة والتشديد على المحاسبة التي لا معنى للرقابة من دونها فمن غير المنطقي أن يكتفى بإقالة الفاسد من وظيفته دون محاسبته ومعاقبته حتى يكون عبرة لغيره فالإقالة لوحدها تعني احتفاظه بثروته التي جناها من أموال الدولة والشعب وبالتالي لن يتغير بالنسبة له شيء فهو سيعيش في نعيم المال والنفوذ لأنهما توأمان وقد تكون الإقالة فرصة له حتى يتفرغ لأعماله الخاصة

إن الفساد ليس مجرد رشوة تدفع هنا أو هناك أو تجاوز للقوانين بل يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر فمثلاً عملية سطو مسلح على محل تجاري قد تبدو في ظاهرها مجرد سرقة لكنها قد تكون نشاطاً تمويلياً لعصابة إجرامية أو منظمة إرهابية وهناك شواهد عدة على هذا الأمر فالتهاون في مكافحة السرقات وعدم الجدية في ملاحقة المجرمين قد يكون عاملاً مساعداً لهؤلاء المجرمين وهنا تجدر الإشارة إلى الانطباع السلبي لدى الكثير من المواطنين عن جهاز الشرطة وضعف الثقة بقدرتهم على حماية أمنهم فكلنا يسمع كل يوم حكاية جديدة عن فساد بعض رجال الشرطة وكيفية التعامل مع الشكاوي بطريقة ادفع بالتي هي أحسن ولعل أبلغ دليل على صحة هذا الكلام هو البطون الكبيرة التي باتت سمة أغلب رجال الشرطة والتي تمنعهم بالتأكيد من الركض خلف المجرمين والقفز برشاقة أثناء مطاردتهم وإلا ما نبتت تلك الكروش حتى أنهم استقالوا من مهمة جلب المطلوبين الذين بلغت أعدادهم أرقاماً قاسية وبتنا نقرأ في بعض وسائل الإعلام عن قيام بالأجهزة الأمنية بهذه المهمة نيابة عنهم

كما أن موظف الجمارك الذي يغض الطرف عن سيارات لا تفتش وحقائب لا تفتح مقابل مبالغ طائلة يتقاضاها قد يكون شريكاً في أي ضرر يلحق بالوطن والمواطن من جراء دخول تلك البضائع التي قد تكون مخدرات أو أسلحة أو متفجرات وقد يكون ذلك الموظف لا يدري بخطورة فعلته لأن بريق المال يعمي الأبصار والبصائر

وإذا فتحنا ملف القضاء فسنجده مليئاً بالمآسي وأصبحت المحاكم مقبرة للحقوق ووسيلة لتضييعها فكم من قضية مرت عليها سنوات ولم تحسم حتى الآن وأصبح من يريد أكل حقوق الغير يطلب منه اللجوء إلى القضاء لتحصيل حقه لأنه يعلم تماماً أن القضاء لن ينصفه قبل قرون كما أن بعضاً من الهدايا للقاضي المسؤول كافية حتى تنام الإضبارة نومتها الأبدية في درج ذلك القاضي ولعل أبلغ مثال على ذلك كثرة قضايا الإفلاس الاحتيالي التي كثرت في الأونة الأخيرة وما من حل لها

ألا يدفع ذلك الناس إلى تحصيل حقوقها بنفسها بعد اعتزال القضاء لمهمته مما يعني الدخول في دوامة الفوضى والثأر والثأر المضاد ألا ينعكس ذلك سلباً على أمن واستقرار الوطن ألا يزعزع الفساد ثقة المواطن بالدولة ويرى فيها مجرد غابة يأكل فيها القوي الضعيف وهذا ينعكس حكماً على روح الانتماء والولاء

ألا يلعب الفساد وأدواته دوراً شبيهاً بما يقوم به أعداء الوطن من تخريب للاقتصاد ولعب بأمن واستقرار الوطن وزعزعة ثقة المواطن بالدولة ألا يشبه دور الموظف الذي يغض الطرف عن مخالفة بناء تؤدي فيما بعد إلى انهياره على رؤوس سكانه من حيث النتيجة ما تقوم به طائرات العدو من قصف للمباني وهدم للبيوت

إن الفساد يوازي الخيانة العظمى من حيث النتائج والتأثيرات وشناعة الفعل لذا علينا أن نضعهم في خانة واحدة من حيث العقوبة ولا يجب التهاون في هذا الأمر مطلقاً

قد يظن البعض أن الكلام فيه مبالغة ولكن إذا كانت نسبة الصحيح منه 60% مثلاً فلنبدأ بالتعاطي بجدية معها ولنفتش عن طرق للحل والخروج من هذا الواقع الذي لا يسر أحداً إلى مرحلة جديدة يسودها القانون والشفافية ويعلو فيها صوت الحق ومطرقة القاضي العادل على رنة الردهم والدينار



admin منقول جمال العلي