2024-10-10 16:27:44
- قصة حقيقية

فركت (س ) عينيها بيديها ثم هتفت من عمق قلبها:






" تُرى هل انا في حلم جميل أم تحقق المستحيل ؟؟."
كان ذلك في شهر آب 1991 ...أسعد الشهر علي وجه الاطلاق في حياة (س)وحيدة والديها التي نشأت في أرقي العائلات في البلد ......
و بالتحديد كان هناك يومان في حياة (س) لن تنساهما
الأول يوم نتيجة ظهور الثانوية العامة ...
والثاني يوم ظهور نتيجة المفاضلة و معها اسم كلية الصيدلة حلم حياتها الأول.
ولكن كان عصر و مساء هذا اليوم أكثر اثارة فلقد استيقظت الساعة الخامسة ظهراً عندما شعرت بيد تمتد تحت الوسادة التي تنام عليها وعندما وجدت أباها ابتسمت ابتسامة ووضعت يدها تحت الوسادة لتجد مفتاحاً بسلسلة و عندما رفعته أمام عينيها قال أبوها:
"انها السيارة التي كنتي تحلمين بها يا أعظم دكتورة .. تتناسب مع بنتي الأمورة لتذهب بها الي الجامعة "...
قفزت (س)من علي السرير و هي تقبل والدها و في لحظات كانت تقف تحت العمارة و هي تتأمل في سيارتها الحمراء الجديدة ..و هي تتلألأ في بهاء كالعروس.
رجعت (س)من النادي في المساء و بعد العشاء دخلت حجرتها فكاد قلبها يتوقف من الفرح فها هو أمل حياتها السعيد ...البيانو الجديد قد وُضع في حجرتها و لمحت فوقه كارت مكتوب عليه
(هدية لأجمل صيدلانية ) التوقيع ..ماما ..

و بعد أن قبلت أمها جلست (س)لتعزف أعذب الألحان فلقد ابتسم لها الزمان ...
و لم يمض الا 4 اشهر فقط ..
حتي كان شهر ديسمبر 1991 حيث بدا الإرهاق و الإعياء الشديدان علي وجه(س)و ظن الجميع في البداية أنه نتيجة طبيعية لمجهود الدراسة في الكلية حتي كانت (س) بين يدي أشهر الأطباء من أساتذة الجامعة ....و لن تنسى)س)يوم أن وقفت بجسد تعبان وذهن حيران تسمع من خلف الجدران ما يقوله أستاذ التحاليل لتسمع كلمة سرطان.
نعم( سرطان الدم )كلمة كانت كالسهم طعنتها بسيف الأحزان في داخلها...
مرة أخرى كانت (س)تجلس لتعزف علي البيانو الجديد لكنها عزفت ألحان الأشجان . وكأنها تناجي هذا السرطان.
أيها السرطان يا منبع الأحزان ..ألم تتعلم شيئاً عن الحنان ؟؟
ألا تعرف أن تفرّق بين إنسان وإنسان؟
بين فقير وبين سلطان، بين الشيوخ و الشبان ...
بين إنسان فرحان و آخر يغرق في الأحزان ...
و تلاشت كل وعود الأب من صرف ملايين الجنيهات على(س)لتغيير الدم في مستشفيات أوربا فلقد ساءت الحالة سريعاً و في 3 أيام كانت (س)تنام و قد فقدت الوعي بالتمام و لكن فجأة استيقظت (س)من الغيبوبة و كان الأب يمسك بيدها اليمنى والأم بيدها اليسرى و عندما نظرت إليهما انهارت (س)في بكاء رهيب ثم قالت لهما :
" بابا ..ماما.. أشعر أني سأغادر الأرض عن قريب و أحاول أن أغفر لكما و لكن لا أستطيع "
كانت هذه الكلمات كالعاصفة الصاعقة على والديها لا سيما كلمة (أغفر لكما؟؟!!!!! )

فقال لها الأب و هو يحاول ان يتمالك دموعه بلا جدوى :"..تغفري لي يا ابنتي ..تغفري ماذا ؟..علي ..."

عنده قاطعته (س)قبل ان يكمل جملته ..

:"بابا ليس لأجل الصيدلة أو العربة و لا النادي و لا البيانو فأنا مديونة لكما بالشكر لأنكما علمتماني كيف أعيش عيشة كريمة. ولكن يا بابا لم تعلماني كيف أموت ميتة سعيدة .. فها أنا أغادر الأرض و الظلام يحيط بي و لن يفيدني كل ما تعلمته عن الحياة السعيدة في لحظات موتي الرهيبة ..
أنا خائفة و مرتعبة و لا أعلم ماذا سيصادفني بعد الموت.
ليتني ما تعلمت كيف أعيش في أحلام وأوهام .. و لكنني تعلمت كيف أموت في هدوء و سلام ..قالتها(س) ثم رددت كلمات عن الظلام و الآلام ثم رحلت في رعب الى أبدية لا نهاية فيها للسنين و الأيام ...
عندها صمت بيانو (س)عن الألحان بعد أن عزف سيمفونية الأفراح تلتها سيمفونية الجراح.
لقد تعلمت(س)في حياتها السلم الموسيقي و لكنها لم تعرف اللحن الحقيقي.

اهتمت بحياتها الأرضية و لكن لم تعرف الحياة الأبدية.





د. شاهين .:. 2010-02-26


د. شاهين .:.