2024-09-20 00:34:33
صفحات من ذكرى الجلاء... من الكفر إلى المزرعة .. ملاحم بطولية خالدة

كان سلطان رمزا كبيرا من رموز النضال الوطني وأبلى بلاء كبيرا ناصعا في الجهاد ضد المستعمرين.هذا ما قاله وأكده الراحل حافظ الأسد


 


رفيق الكفيري

( كان سلطان رمزا كبيرا من رموز النضال الوطني وأبلى بلاء كبيرا ناصعا في الجهاد ضد المستعمرين, وكان للثورة السورية الكبرى التي تولى قيادتها العامة الأثر الكبير في دفع مسيرة النضال من أجل الاستقلال نحو النصر, وسيظل اسمه في تاريخ قطرنا مقرونا بالكفاح الوطني).

 

هذا ما قاله وأكده الراحل حافظ الأسد عن قائد الثورة السورية الكبرى المغفور له سلطان باشا الأطرش الذي لم يساوم يوماً على الكرامة والحرية ولم يستسلم يوما لإرادة البغي مهما كانت عاتية فهو جبل من الجبال اكتسب خبرته القتالية من مجتمعه وساحات المعارك ,بقيادته انطلقت من جبل العرب الشرارة الأولى للثورة السورية الكبرى عام 1925 والتي شكلت محطة نضالية كبرى (الجلاء الأغر )جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن تستنهض ذاكرة التاريخ لتروي لنا ملاحم البطولة والتضحية التي صنعتها عزائم الأبطال وسطرها الأجداد في سفر التاريخ ضد الاحتلال ونسلط الضوء هنا على معركتين هامتين من معارك الثورة ( الكفر والمزرعة) ونبدأ من الكفر ففي 20/7/1925 م قامت القيادة الفرنسية بتسيير حملة فرنسية إلى الكفر 17 كم جنوب مدينة السويداء بقيادة نورمان الذي أمر جنوده بالتمركز عند نبعها حيث بلغ عددهم 200 جندي وضابط مجهزين بأحدث الأسلحة, علم الثوار بوجود الحملة فأرسلوا رسولا من بلدة الكفر ينذرهم بالانسحاب من البلدة ولكن نورمان قائد الحملة أجاب بالرفض وقال لأعضاء الوفد ( اذهبوا إلى سلطان وقولوا له إنني بانتظاره على أحر من الجمر في هذا المكان ) نقلت أجوبة نورمان إلى الثوار فلم يدعوه ينتظر طويلا حيث كانت خطة سلطان باشا الأطرش تجاه حملة نورمان بتقسيم الثوار إلى ثلاث مفارز ( مفرزة مشاة ومفرزتا فرسان) وحددت مهمة مفرزة المشاة بالاقتراب ما أمكن من الناحية الجنوبية الغربية للمعسكر ومفرزتا الفرسان مهاجمة المخيم من الشمال الشرقي والجنوب الشرقي وفي الساعة الرابعة عشرة من ظهر 21/7/1925 م بدأت المعركة لكنها لم تدم أكثر من نصف ساعة حتى أنه لم يتح لبعض الثوار الاشتراك فيها وحالت سرعة الهجوم وهول المفاجأة بين الفرنسيين فسكتت رشاشاتهم واختلط الثوار مع الفرنسيين وأغمدوا السيوف والخناجر في رقابهم, فسقط نورمان صريعا ولم ينج من جنوده إلا خمسة أما خسائر الثوار فكانت أربعة وخمسين شهيدا وتعتبر معركة الكفر مثلا حيا للإغارة الناجحة فقد كانت نتيجتها مشرفة للثوار حيث رفعت من معنوياتهم وزودتهم بالسلاح والعتاد اللازمين لمعارك مقبلة.‏

المزرعة زرعت الخوف في نفوس المحتلين إلى يوم الجلاء بعد الانتصار الذي حققه الثوار في معركة الكفر الذي أحدث في أوساط الفرنسيين هلعا وغضبا ما جعل الجنرال ساراي يعطي الأوامر إلى الجنرال ميشو لإخماد الثورة خلال 48 ساعة وفي الأول من آب تمت مناوشة الجيش الفرنسي من جهات بصرى الحرير لإعاقة تقدمه لكنه تابع زحفه وفي كل الظروف تم استدراج الثوار إلى كمين معد لهم من قبل الجنرال ميشو حيث استشهد العشرات من الثوار أمام المتاريس والاستحكامات الفرنسية, أمام هذه الضربة الموجعة انسحب الثوار إلى نبع المزرعة وتابع ميشو السير إلى نبع المزرعة فاصلا بين مقدمة حملته ومؤخرتها فاستغل المجاهدون هذه الفرصة وانقضوا على مؤخرة الحملة حيث العتاد والذخيرة والمؤن وطالت سيوفهم رقاب أفرادها وأبادوا معظمهم.‏

وفي الثالث من آب عام 1925 زحف الثوار بقيادة سلطان باشا الأطرش واستطاعوا الوصول عند الفجر إلى نبع المزرعة وأحاطوا بالجيش الفرنسي الذي خيم عنده ,وأقاموا الاستحكامات حوله فانقضوا عليهم كالعقبان وبدأت معركة حامية الوطيس حيث التحم الثوار مع الفرنسيين بالسلاح الأبيض وأبطلوا عمل أسلحتهم الثقيلة, واستطاعوا أن يبيدوا بالسيوف والخناجر والفؤوس حملة تفوقهم عددا وعدة, وهكذا اندحرت الحملة الفرنسية بل اندثرت وتبعثرت جثث قتلاها وهياكل مدرعاتها وآلياتها وأسلحتها الثقيلة على السهول الممتدة من المزرعة شرقا حتى قرية الدور وبصرى الحرير غربا.‏

وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي حضر إلى موقعة المزرعة بعد المعركة بقليل وشاهد آثارها الباقية على الأرض, صورا حية ناطقة فدون وقائعها بدقة حيث قال:( لقد زرت ساحة هذه الملحمة مرارا, وحاولت أن أحصي عدد الجثث الملقاة فيها فلم أفلح لكثرة عددها, ولقد مشيت من عين المزرعة على الطريق المعبدة غربا نحو ساعتين بين الجثث والعتاد الملقى على الأرض فلم انته منها, ورأيت خمس سيارات مصفحة محروقة وقد أمالها الثوار على جوانبها حين الهجوم بأكتافهم ورأيت من المدافع ذات العيارات المختلفة عدد لم أتمكن من ضبطه والقنابل كانت مكومة على جانبي الطريق , وأمشاط الرشاشات في الخنادق على الجانبين).



admin