2024-07-26 22:10:30
شخصية من بلدي

في بداية أربعينيات القرن الماضي عندما غادر هذا الفتى قريته الصغيرة ليتابع تعليمه الابتدائي في العاصمة


في مدرسة الآسية لم يكن يحلم أنه سيأتي يوم ويعم النور والعلم قريته البائسة التي لا تبعد كثيراً عن دمشق لكنه لا يتوفر فيها أبسط الخدمات.
فالبلد يرزح تحت نير الانتداب الفرنسي الذي دخل الحرب العالمية الثانية ولا يعرف متى ستنتهي ،الجوع والبؤس يفترش البيوت ،والقلة والحرمان زائران دائمان لمعظم أهالي القرية ،ولولا تميزه ورغبته الملحة في التعلم ونصيحة معلم القرية الوحيد لما استطاعت والدته أن تبيع عدد من المواشي لترسله لمتابعة تعليمه في العاصمة.
هذا الشاب الذي امتلئ قلبه بالشموخ والعنفوان واعتلت في جوارحه مشاعر التمرد على الواقع والرغبة بالتطوير والكسب من مناهل المعرفة الدائمة والاستفادة من تجارب الأمم المتطورة ،كان يحلم دائماَ أن تكون قريته قبلة التطور والعلم ومنبعاً للكوادر المتعلمة ومركزاً تنويرياً توفر لأبنائها العلم والمعرفة والإبداع.
لكن ومع مرور الوقت وبعد الانتهاء من تحصيله العلمي الجامعي وتنقله الدائم بين القرى والمدن السورية واللبنانيةً والأوربية تجوالاً واستكشافاً واطلاعاً تارةً وعملاً وتدريساً تارةً أخرى كانت تزداد وتكبر في داخله هذه الرغبة الجامحة بأن تحلم قريته بفرصة النور.
وعلى الرغم من كل الإغراءات التي قدمت له ليستقر في العاصمة ومن كل الفرص التي قدمت له للعمل في الخارج وتحقيق طموحه، لم يشأ الغربة وأبى إلا أن يعود إلى قريته ويعمل من أجلها.
وفي منتصف الخمسينيات لاحت في الأفق فكرة تمديد خطوط الكهرباء إلى ضيعته لكن هذا الموضوع كان من الصعب أن يتحقق لأن قريته لم تكن ضمن خطة الدولة بتمديد الكهرباء إليها .
حاول بكل السبل ليصنع من هذا الحلم حقيقة ومن هذه الفكرة شعلة تنار بعد فترة ليست ببعيدة.
شرح هذه الفكرة لرفاقه الشباب في القرية فتحمسوا لها واقتنعوا بها ، لكن هذا الموضوع كان أشبه بالمحال ،فلابد من توفير المال والدعم من جميع أهل القرية .
في البداية توجه إلى المقامات الروحية وشرح لهم مشروعه وطلب منهم المؤازرة والمساندة في إقناع أهالي القرية بمزايا هذا المشروع وما سيقدمه للقرية من فوائد تعم على الجميع.
أبدى الجميع حماسة كبيرة واندفاعاً لانجازه ،فكان هناك من متطوعين كثر لجمع المال كل حسب الغرف التي يود تمديد الكهرباء إليها لما يحقق ذلك من عدالة ومساواة،ومن متطوعين آخرين لإتمام المعاملة في دوائر الدولة وهكذا تضافرت جهود جميع أهل القرية بشبابها وأهلها ورعيتها ومرجعيتها لتحقيق هذا المشروع الحلم وبالتعاون والمساندة مع أهالي الأشرفية القرية المجاورة.
هذا الشاب اسمه رسخ في الذاكرة ومن الصعب على مر العديد من الأجيال أن ينسى وكيف لشخص قدم لقريته الكثير من العناء والجهد على حساب ذاته وتفانى في تقديم الخير والحب على حسابه الخاص أن تتنكر له قريته والتي ما تعودت هذه الارض الطيبة إلا أن تكون وفيةً لأبنائها.
يمكن للقارئ أن يعرف من السطور الأولى للمقالة من هو هذا الشخص ومن هي هذه القرية. واليوم موقع قريته على الانترنيت يريد ولو بسطور قليلة أن يقدم له العرفان بالجميل والشكر بطريقة غير مباشرة ، لأنه ومع كل التقدم التقني والمعلوماتي في العالم اليوم لا يستطيع العالم إلا أن يتذكر أديسون مخترع المصباح الكهربائي.
وهانحن اليوم عندما نتصفح موقع قرية صحنايا على الانترنت ويتم التواصل الآني بين شبابها في جميع أنحاء سورية وفي المغترب لابد وأن تلمع في الذاكرة صورة من خطى الخطوة الأولى في هذه الدرب الطويلة.
إنه المعلم الأول في بلدة صحنايا المربي الفاضل اسبر غزال.

أسرة الموقع

admin