2024-09-19 23:12:08
- الحضارات ولدت وبزغت ... من بلادي ج1

الجزء الأول




الحضارات ولدت وبزغت ... من بلادي
بعد مشاركتي في دورة الأدلاء السياحيين لعام 2010 التي أقامتها وزارة السياحة السورية مشكورة , وتعرفي على نخبة من أبناء وطني , الذين كان ومازال لهم دور كبير في إبراز وجه سورية الحضاري وتاريخها المعماري والأثري , والذين أغدقوا علينا في محاضراتهم من بحر معلوماتهم وثقافاتهم , ومنهم الدكتور عماد عساف والأستاذ عدنان الحموي والأستاذ بشير الزهدي , قمت مع زملائي بجولة في ربوع بلادنا الحبيبة , للتعرف على آثارها ومعابدها والحضارات ( 34 حضارة ) التي مرت على ترابها , ولتوثيق ما سمعناه من السادة المحاضرين , وما طالعناه من منشورات وكتب سياحية .
وكم كان الفرق واسعاَ وشاسعاَ , بين ما قرأناه وسمعناه ,وبين ما عايناه على أرض الواقع , حتى أننا كنا نخال أنفسنا في مركز الشمس , والفخر والشموخ والإباء يتوزع من أشعتنا أمام كل حجر أو عامود في طريقنا.
بداية جولتنا كانت في دمشق ... التاريخ مر , ومازال يكتب صفحات كتابه من هنا , فحسب مدير متحف اللوفر أندريه باروت " كل إنسان في هذا العالم له وطنان , الوطن الذي ينتمي إليه ... وسورية " ,الغريب له وطنان ! فكيف بالحري نحن الذين نشارك العالم كله من خلال انتمائنا لوطننا , ويشاركنا هذا العالم بتراثنا الحضاري والفكري والروحي .
من دمشق , التي تجمع كل التاريخ وكل الحضارات , في حاراتها وأزقتها وخاناتها , رأينا وعاينا " تيماسك " و " تيماشكي " و " ديماشكي " و" دمشقا" و" دمسكو " و "دار ميسيقيا", كانت جولتنا عبر متحفها الوطني الذي لا ترتوي من التجول فيه,والذي يضم بين أقسام أجنحته تاريخ الإنسان وتطور البشرية , وأحرف أول لغة ناطقة ومكتوبة , وإلى التكية السليمانية وسوق الصناعات اليدوية , وبالمرور خارج قلعتها , وأسواقها , نصل إلى جامع بني أمية الكبير , حيث تشعر بأنك موجود في السماء, وملائكة الله حولك , يرفعون صلواتهم معك ,ومع بركة هامة يوحنا المعمدان ( النبي يحيى ) يقدمون تشفعاتهم بك , وتقدم في رحاب ضريح صلاح الدين كل الإكرام والتقدير للرجل الذي شهر سيف الحق , وحرر بيت المقدس من الفرنجة, الذين وقبل أن يدنسوا أرضنا الطاهرة ,دنسوا ولوثوا بأعمالهم كل ما يمت للمحبة والإيمان بصلة , بتسترهم باسم الصليب المقدس , والذي كان مسيحيو الشرق في إنطاكية أول ضحاياهم قبل اخوتهم المسلمون, ومروراَ بالمدرسة الظاهرية والعدلية , وصلنا إلى قصر العظم , حيث يشك بأن قصر الخضراء قابع بين أساساته , وعبر سوق البزورية ومدحت باشا أو الشارع المستقيم , وصلنا إلى منزل حنانيا أول أسقف لدمشق , والذي انطلق منه رسول الأمم بولس الرسول كي يكرز بالبشارة وبخلاص الإنسان , لننتهي في باب كيسان الذي هرب منه إلى العالم.
بعد دمشق , كانت "تطمر" و "تدمرتو " و " بالميرا " زنوبيا تنادينا , فإليها انطلقنا مع خيرة ونخبة الأدلاء السوريين, الذين لم يتركوا شيئاَ من معلوماتهم وخبراتهم إلا ولقمونا إياه , ونحن كالأرض العطشى , تختزن في جوفها كل نقطة ماء مفيدة .
هناك حيث ارتفع الصوت والراية العربية التدمرية , شاهدنا " زنوبيا " اليونانية ,أو "زينب " العربية أو" بت زباي" التدمرية ترحب بنا, وأحسسنا في كل التفاته منا بتلك السمراء ذات العيون الجميلة الواسعة , والجمال الأخاذ , و الشخصية القيادية الفذة,وعند زيارتنا لمعبد "بل " ورؤيتنا " يرحبول " ربة الشمس , و" عجلبول " رب القمر , طغت ملامح بقايا الأيقونتان الباقيتان في المعبد الذي حول لكنيسة على ذاكرتنا ,وأمام قوس النصر أو باب هادريان , وقفنا لنثمن قيمة وعظمة الفن الشرقي الأصيل وضخامة البناء وروعة التصميم والبناء , وخلال عبورنا شارع الأعمدة , تملكنا شعور غامر بالفخر والاعتزاز , كوننا كنا قد علمنا بأن عمدة باريز والذي زار تدمر في نهاية القرن التاسع عشر , قد صمم شارع الشانزيليزيه في مدينته مستلهماَ تخطيط شارع الأعمدة التدمري , ومررنا على حمامات زنوبيا والمسرح ومعبد نبو والتترابيل ( مصالبة ) ومجلس الشيوخ والأغورا ( السوق العام ) ومعبد بعل شامين , لنصل حيث يقال أن هناك كان قصر زنوبيا والذي حوله ديوكليتيان ( ديوقليسان ) إلى معسكر له , ولن أنسى ذكر ساحة التعرفة الجمركية والتي تميزت " باللوح الرخامي المكتوب فيه نص مرسوم تدمري غاية في التفرد" , سلبه أحد الأمراء الروس وهو موجود اليوم في متحف الأرميتاج في لينينغراد , وتميزت تدمر زنوبيا بازدهار وتوسع التجارة فيها , إذ كانت مركز قوافل طريق الحرير, وحامية طرق القوافل كافة ,وبإشراف دليلنا ومرشدنا وموجهنا الدكتور عماد عساف , قام الزميل جميل القيم ابن تدمر طيلة وجودنا فيها بالشرح المسهب , وكنت تشعر وكأن حديثه وشرحه لكل شاردة وواردة كان موجه بالدرجة الأولى كرد جميل ورسالة شكر لملكته زنوبيا .
وكانت خاتمة نهارنا مع غروب الشمس في القلعة المنسوبة إلى فخر الدين المعني الثاني والمشرفة على تدمر , بعد زيارتنا لمتحف تدمر الذي يضم بعض الكنوز الفنية , ورؤية القبور البرجية وزيارة مقبرة الأخوان الثلاثة .
متحف تدمر
ومهما نسيت أن أذكر , فبالطبع لن أنسى ذكر وتوثيق الشيء الذي أثار دهشتنا وإعجابنا , وأعني به المحنطات أو المومياءات التي شاهدناها في الطابق الثاني , وبالعودة إلى غوغل وجدت التالي :
" إن تاريخ الاكتشافات الأولى للمومياءات في تدمر غير محدد بدقة , لكن من المعروف أنه أثناء فترة حكم أورليان عند احتلاله لمدينة تدمر عام 273م , قام الرومان بسلب الكثير منها , ففي ذلك العهد كانت الأبراج الجنائزية سليمة , وقد وجدت مومياءات بداخلها يعود تاريخها تقديرياَ فيما بين القرن الأول ق.م وأواخر القرن الثاني ميلادي .
وفي القرن الثامن الميلادي وصف إسماعيل بن عبد الله القصري اكتشاف مومياء في تدمر أثناء حكم الخليفة الأموي مروان بن الحكم آخر خلفاء بني أمية " .
وأما موقع سيريا نيوز فقد كتب في هذا الموضوع بتاريخ 9 ـ 9 ـ 2005 مايلي :
" اكتشف نديم زواوي عالم الآثار السوري تابوتاَ حجرياَ يحوي أفضل مومياء عثر عليها حتى الآن في المدفن البرجي في تدمر من حيث الحفاظ على شكلها " .
وأما جريدة الثورة فقد نشرت في صفحتها الأخيرة بتاريخ 7 ـ 9 ـ 2005 مايلي :
"لم تهدأ معاول أبناء تدمر العاملين في البعثة الوطنية المختصة بالتنقيب والترميم بالسور الدفاعي الشمالي بتدمر برئاسة الباحث الاثري خليل الحريري بل أصروا على متابعة العمل
بجد ونشاط متميز بعد العثور على مدفن برجي بداخله اثنتان من المومياءات يوم أول أمس الاثنين حيث توغل أفراد البعثة داخل المدفن وبطريقة علمية وتوصلوا أمس إلى فتح تابوت مصنوع بطريقة الجملون من الحجر اي سرير جنائزي لا مثيل له بتدمر, وبداخله جسد آدمي (محنطة مومياء ) " .

اليان جرجي خباز






 اليان جرجي خباز.:. 2010-08-03


اليان جرجي خباز