2024-09-19 21:32:57
الحضارات ولدت وبزغت من بلادي

===================

- ج3 الحضارات ولدت وبزغت ... من بلادي
الجزء الثالث
الحضارات ولدت وبزغت ... من بلادي
وكانت " قلعة الحصن " هي وجهتنا التالية , وقد وصلناها عبر قرى مشهورة بطيب هواها ومنتزهاتها الصيفية , وكانت " تتحكم في الممر الاستراتيجي المسمى فجوة حمص, ولذلك أقامتها دويلات الفرنجة كنقطة الأساس في سلسلة القلاع الساحلية الأخرى " ,وكانت تسمى حصن الأكراد , وتحكي جدرانها وقاعاتها عن النزاع الذي استمر قرنين بين غزاة غرباء وجيوش عربية استبسلت لاسترجاع أرضها وتاريخها , وتمكن الظاهر بيبرس عام 1271 من تحريرها واستعادتها ,وتتميز بأبراجها الثلاثة عشر , وبقاعاتها الكبيرة ومهاجعها ومستودعاتها, وكنيستها التي تحولت إلى جامع مع منبره الحجري ومحرابه , بالإضافة لخندقها الداخلي , وساحاتها وزخرفة أحجارها .
وفي استراحة مقابل القلعة , تناولنا طعام الغذاء , لنتابع طريقنا باتجاه " دير القديس جاورجيوس " , وأتيح لنا بالإضافة لكنيسته العليا وأيقوناتها البديعة , أن نرى الكنيسة السفلية وأيقوناتها , وأن نشاهد كذلك المغارة الموجودة في أسفل الدير , وأن نطالع صورة عن " العهدة النبوية " وهي غير العهدة العمرية الممنوحة من الخليفة عمر إلى أهل القدس , حسب ما أعلمنا به قدس الأب الذي قام بالشرح لنا عن تاريخ الدير المقدس , وقد شاهدنا فيها أسماء / 35 / شخصاَ كشهود عليها من الصحابة ومنهم : أبو بكر الصديق ـ عمر بن الخطاب ـ عثمان بن عفان ـ علي بن أبي طالب,وكتب في أسفلها ما يلي :
" كتبه معاوية بن سفيان بإملاء رسول الله ".
استـقـبلـتنا" حمص" التي قمنا بزيارات التعرف والتبرك فيها , فمن " كنيسة القديس اليان الحمصي " الطبيب المستشهد في 6 شباط عام 285 م , حيث شاهدنا قبره , ورأينا الأيقونات الجدارية التي تحيط به ( على طريقة الفريسـك ) والمكتشفة في أيار عام 1970 , والتي أعيد ترميمها , واتخذت التدابير اللازمة لحفظها من الرطوبة وتأثير النور بإشراف وإسهام المديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق .
وتابعنا زيارتنا إلى " كنيسة أم الزنار " حيث استمعنا لشرح موسع عن الكنيسة القديمة, وشاهدنا ما هو متعارف عليه بقطعة من " زنار السيدة العذراء " .
وإلى محرر دمشق وفاتحها, سيف الله " خالد بن الوليد " اتجهنا , لنقدم أمام ضريحه وفي جامعه , واجب الصلاة والتكريم وآيات الشكر والحمد .
وكانت لنا هنا الفرصة للتزود بأطيب الحلويات التي تشتهر بها حمص مثل حماه , مثل حلاوة بشمينا , والشعـيـبـيات , والمعمول , والفيصليات قبل عودتنا لدمشق .
بعد استراحة يوم ,اجتمعنا من جديد أمام محطة الحجاز للقطارات في دمشق , وبعد جولة صغيرة في المكتبة الموجودة في مدخل بنائها الرئيسي , اتجهنا إلى " المتحف الزراعي " في الحلبوني , حيث شاهدنا بعض الطيور المحنطة ونموذج لمعصرة زيتون ولمحلجة للقطن , وبطلب مني من ابن عمي عبد الله الموظف في وزارة الزراعة , رفع الأمر للمسؤولين الذين أوعزوا لموظفي المتحف بإضافة لغة أجنبية إلى جانب العربية المكتوب فيها شرح عن الأشياء المعروضة , وقد تم هذا الأمر ,علماَ بأن الدخول للمتحف مجاني .
واستقبلنا بعده " مركز الوثائق التاريخية " حيث قامت الزميلة مها الحاج بشرح واف ومسهب عن أهمية الكتب والمخطوطات والوثائق الموجودة في المركز الذي تعمل فيه , وطريقة معالجة وترميم وتجليد الأوراق , وشاهدنا مجسماََ لمدينة دمشق القديمة , وموكيتاَ لشارع النصر وجامع دنكر , بالإضافة إلى فترينات ضمت بعض صور الحياة السياسية في سوريا , مع العلم بأن منزل المرحوم رئيس الوزراء السوري خالد العظم يتصل به , وفيه شاهدنا غرفه المزينة بالزخارف العربية السورية ( ومنها : المعشق والعجمي والمشقف والأرابسك والقيشاني والأبلق ), والبحيرات المائية الصغيرة , وخزائن وكراسي الموزاييك والتي استغللت وجودها لأشرح لزملائي طريقة صنع الموزاييك الخشبي الملون والمطعم بالصدف والعاج, كونني تربيت في ورشة جدي ومن ثم والدي المتخصصة في هذا المجال, ومررنا بالقاعة ذات الطرزين وذات الثلاث طرزات والقاعة الحلبية والتي فيها بحرة الحيات , ومن درج الغرفة ذات المصعدين شرح لنا مدير المركز أهميته ووظائفه , علماَ بأن جمعية أصدقاء دمشق تتخذ من بعض غرفه مكاتباً لها.
وكانت وجهتنا التالية " متحف الخط العربي " في المدرسة الجـقـمـقية , والتي كانت مدرسة دينية داخلية , أعيد تجديدها عام 1959 .
وزرنا " متحف الطب والعلوم " قرب سوق الصاغة الجديدة , حيث كان سابقاَ بيمارستان أي دار للمرضى , ( بيما = دار , ستان = المرضى ) , وكان العلاج فيه يعتمد على الموسيقى , وعلمنا بوجود مخطوطات في القاهرة تثبت أن ابن النفيس الدمشقي هو من اكتشف الدورة الدموية , وأن العرب لديهم الفضل باستخدام الكحول المخدرة , وعبر مرورنا في قاعاته شاهدنا بعض الأدوات الجراحية والطبية , فعبر قاعات : العلوم , والطب , والصيدلة , والحيوانات المحنطة ومكتبة المتحف , عادت بنا الذاكرة إلى من أعطى النور للغرب في مجال الصحة والطب, ولن أنسى ذكر تلك الساحة الواسعة المزينة بأصناف من الأزهار والورود ومنها الوردة الدمشقية , وجمال هندسة البناء , والمقرنصات الفريدة والكتابات النسخية المنقوشة على بابه , كما لا يغيب عن ذهني شكر مسئولي هذا المتحف لوضعهم كافة أوراق الشرح باللغة العربية والأجنبية , مما يتيح للزائر فهم مايراه أمامه .
وخاتمة جولتنا كانت في " مقبرة الباب الصغير " حيث شاهدنا قبور أهل البيت , وقبر بلال بن رباح أول مؤذن في الإسلام , بالإضافة إلى جموع حاشدة من المؤمنين والزوار .
وصبيحة اليوم التالي , انطلقنا لزيارة الأوابد الدينية المسيحية , وكان " دير مار موسى الحبشي " في النبك في مقدمتها , حيث وبعد صعودنا بمشقة ـ بسبب عامل السن ـ تلك الدرجات التي لا تنتهي والمرصوفة بعناية واهتمام , وصلنا كنيسته القديمة والتي مازالت تحتوي بعض أيقوناته الجدارية , ومنها أيقونة سمعان العامودي , وعلمنا بأنه كان مهجوراَ لفترة طويلة , وأعاد إحيائه الراهب بولص أحد الرهبان الإيطاليين عام 1984 , ونجد في وادي دير مار موسى أثاراَ لبرج قديم , وتدل الكتابات العربية على جدران الدير على أن بناء الكنيسة الحالية يعود إلى عام 1058م , وتذوقنا طيب الضيافة من مائدة الفطور التي قدمها الرهبان لنا .
وبدوره كان " دير مار يعقوب المقطع " في قارة ضمن برنامج زيارتنا , حيث سمعنا شرحاَ عن الدير وعن مغاراته ودوره ونشاطه الروحي .
وإلى " معلولا " اتجهت مسيرتنا لنعانق السماء من خلال بيوتها المعلقة أو المحفورة في صخر الجبل , ولنزور فيها دير القديس سركيس , حيث قامت الزميلة نسرين الحداد ابنة معلولا بإعطائنا شرحاَ وافياَ ومسهباَ عن تاريخ الدير وعن أيقوناته الأثرية القديمة , وعن المائدة المقدسة الأثرية الموجودة في هيكله , وسمعنا منها صلاة " أبانا " باللغة الآرامية التي مازال أهل بلدتها يتناقلونها مع قرى محيطة بمعلولا , وهي وكما هو معروف لغة السيد المسيح ,مع العلم بأنه قد أنشأ معهد في معلولا لتدريس هذه اللغة وإحيائها.
وفي استراحة قصيرة في الكافتيريا الموجودة مقابل الدير , تكرمت الزميلتان نسرين الحداد ومها الحاج بإعطائنا فكرة عن كرم الضيافة المعلولية بتقديمهما معاَ أصناف المعجنات المعلولية , والتي تنتشر في سوريا ولبنان .
وبزيارتنا لإحدى المغارات المنتشرة في الصخور, وسيرنا في الفج الذي يروي بين متعرجاته قصة القديسة تقلا , والمغارات المنتشرة فيه , وصلنا إلى ديرها المميز الذي يحوي جثمانها الطاهر , وزرنا كنيسته العابقة برائحة التاريخ, وتأملنا أيقوناتها العجائبية وقدمنا واجب التكريم بطلب شفاعتها , وشربنا من ماء قبرها المقدس .
ودعنا معلولا باتجاه " دير الشيروبيم " في صيدنايا , وهناك حيث تلتقي الأرض بالسماء , زرنا كنيسته الأثرية والمعاد تشييدها , وتذكرت أنا شخصياَ , ما أعرفه عن مساعي المثلثة الرحمات الأم الحاجة كاترين أبي حيدر رئيسة دير سيدة صيدنايا , لإعادة إحياء هذا الدير المهجور , وحديثها الشخصي لي عن صلاتها للشاغورة لإرشادها عن موقع الماء على قمة ذاك الجبل , بعدما فشلت مساعي المختصين والمهندسين للعثور على الماء , وبإرشاد السيدة العذراء تم تحديد موقع حفر بئر الماء و الذي مازال حتى اليوم .
والطريق الصاعد إلى الدير , يمكن المرور فيه للسيارات الصغيرة , ولباصات البولمان الكبيرة بكل سهولة , وقد أشيدت على جوانبه مطاعم عديدة .
وكان " دير سيدة صيدنايا " أو " دير السيدة " أو " دير الشاغورة " , والمشهور بأيقونة السيدة العذراء العجـائـبية التي يعتقد أنها من رسم القديس لوقا , وجهتنا قبل النهائية , فمع زيارة التبرك إلى مقام السيدة , حيث تحفظ الأيقونة العجائبية ,أتيحت الفرصة لبعض الزملاء بأن يواكبوا صلاة المعمودية في كنيسة الدير ـ حيث كانت تجري معمودية طفل ـ وكم كان شعورنا وفخرنا كبيرين لدى التمعن ومشاهدة أيقونات الكنيسة , التي كمثلها من الكنائس القديمة , دلت وتدل على عظمة ورقي الإنسان والفنان السوري راسم الأيقونة السورية ," والتي عادت إلى الوجود بعد غياب دام اثنا عشر قرناََ في مدرسة دمشق وحلب وحمص والقدس ".
وهنا أجد نفسي ملزماَ بالتوضيح بأن بناء الدير بذاته يعتبر مقدساَ كونه تم بوحي وإرشادات السيدة العذراء والتي أشارت بطريقة هندسته وبنائه .
واستودعنا نهارنا بزيارة ضريح وجامع الشيخ الصوفي محي الدين بن عربي , وزيارة حي المدارس في منطقة المهاجرين أو الصالحية , التي بدأ العمران فيها في أواخر القرن الحادي عشر لإسكان النازحين من القدس بعد احتلال الفرنجة لها ـ وكأن قدر دمشق مكتوب فيه أنها حامية العرب وقبلتهم منذ الأزل ـ وفي حي الشيخ محي الدين توجد ناعورة خشبية ضخمة , وهي الوحيدة الباقية من عدد كبير من النواعير التي كانت متناثرة في أرجاء الحي الذي فيه زقاق باسم زقاق النواعير,بالإضافة إلى مدارس دينية قديمة ومساجد وبيمارستانات.
وفي اليوم التالي كانت " بانوراما حرب تشرين التحريرية " مقصدنا , وهناك عشنا الحلم الذي نتمنى أن يتكرر , حلم تحرير جولاننا , وأرضنا , واستعادة كل شبر من بلادنا السليبة , فبعد جولة في ساحتها الخارجية ورؤية الأسلحة التي خاضت تلك الحرب , وخاصة تلك التي تركها العدو في أرض المعركة , ومعاينة المركبة الفضائية التي أقلت أول رائد فضاء سوري إلى الفضاء , دخلنا لمشاهدة أجنحة دار البانوراما , وشاهدنا تصوير حي لما جرى من عملية تحرير مرصد جبل الشيخ , ومن عمليات قتالية في شوارع القنيطرة المحررة , وكانت العيون لا تستطيع التفريق بين ما هو مرسوم وما هو مصنوع من ديكور حربي , يدل على الفن الرفيع والتقنية العالية لمن قاموا بتحضير البانوراما وتجهيزها .
وفي " ضريح الجندي المجهول " , قدم كل فرد منا صلاته ودعاءه وشكره, لأولئك الأبطال الذين رقدوا مستشهدين, واسم سوريا على ألسنتهم ووجوههم الباسمة الواثقة من النصر , وفي قاعة أسفل النصب , شاهدنا بعض صور التحرير والكفاح .
وسرنا باتجاه " دار الأسد للثقافة " حيث اطلعنا على عمل المسرح وأجهزته , والتقنيات الحديثة التي يعمل بها , وعدد قاعاته وأجهزتها الفنية المتطورة .
خاتمة رحلة اليوم كانت بزيارة " قبر النبي هابيل ", والذي أثار استغرابنا ودهشتنا طول ذاك الضريح , الذي يتجاوز طول إنسان اليوم بثلاث أو أربع مرات .
وخلال تواجدنا في نادي الرماية وبانتظار تحضير وتناول طعام الغذاء , لا يسعني إلا أن أذكر, بأن كل فرد منا وجد نفسه يسأل ما كان يجول في خاطره من أسئلة متشعبة متعددة , حول عمل الدليل وعلاقته بالسائحين , وكيفية التخلص من المواقف المزعجة والغير متوقعة , وكان دليلنا وأستاذنا الدكتور عماد عساف جاهزاَ لكل سؤال , مستفيضاَ في الشرح والإسهاب والتفسير , ولا يمكنني إلا التنويه بأن ذلك كان يتم بكل صدر رحب و محبة واهتمام .
اليان جرجي خباز


أسرة الموقع