ما الذي يشدك الى الموقع
اعزائي زوار الموقع اتمنى واياكم عاماً ملؤه السلام والامان والتعالي على الجراح .
عادة "السرية" .. اقلعوا عنها؟ .. بقلم: نضال معلوف
عادة "السرية" .. اقلعوا عنها؟ .. بقلم: نضال معلوف
|
مقالات واراء
|
لازال صديقي "الياس" يعاني منذ سنوات حتى اليوم من قرار صدر على حين غرة بإيقاف العمل بإنتاج زيت الزيتون من مادة "البيرين"* ، بعد ان كان هو وثلاث شركاء قد انهو للتو تجهيز المنشأة الصناعية ووضعوا كل مدخراتهم بها عندما كانت القوانين تسمح بذلك. القرار صدر قبل ثلاث سنوات تقريبا عن وزير الصناعة ، لم يتصل احد باصحاب المنشآت التي تنتج زيت الزيتون باعتماد هذه الطريقة ، ولم يتم ابلاغهم او حتى التشاور معهم ، والمضحك المبكي انه بعد قرار المنع صدر قرار معاكس له بعد اقل من سنة ، اي عاد وسمح بانتاج زيت الزيتون من البيرين ، ايضا على حين غرة ، ولكن "الياس" وشركاءه كانوا قد باعوا المعمل وخسروا عشرات الملايين.
من خلال عملي كمدير عام للمركز الاقتصادي السوري وتواصلي مع العديد من رجال الاعمال والمسؤولين، كانت دائما القرارات الفجائية التي يكون وراءها لجان واجتماعات سرية لهم بالمرصاد. ولعل كلنا يذكر تجربة شركات استثمار السيارات على سبيل المثال ، التي انتهت بعد عشر سنوات بالسماح باستيراد السيارات ، بعدما مررنا بتجربة تنفع ان تدرس كنموذج فريد للفشل الاداري في سوريا من خلال عشرات القرارات المتلاحقة والمتناقضة ، التي جعلت المواطنين السوريين يركبون سيارات بنمر زرقاء وزرقاء بيضاء ، مستثمرة ، مستأجرة .. كانت التجربة اشبه بالكوميديا السوداء والغائب الاول فيها الاطراف اصحاب العلاقة. وبحكم عملي ايضا في مجال الاستشارات الاقتصادية كنت قد قرأت مئات القرارات الصادرة عن وزارات او ادارات مدنية ، اللافت ان الكثير منها اكتسب صفة السرية ، "سري للغاية" ، او "سري جدا" ، عبارات يمكن ان تجدها على قرار لتشكيل لجنة تناقش قضية تصدير البطاطا على سبيل المثال.. وكنت استغرب هذه السرية في قرارات واجراءات روتينية ، قضايا عادية ليس من المفترض ان تأخذ صفة السرية. فنحن نعلم بان ، سري للغاية ، عبارات تستخدم في القضايا التي تمس الامن القومي وليس مفترضاً ان تكون على قرارات ومحاضر اجتماعات تتعلق بالحياة الاقتصادية على وجه العموم وليس لها اي صفة امنية ولا تتصل لا من قريب ولا من بعيد باي قضية تستوجب ان تعطى لها هذه الصفة.
الحقيقة عادة القرارات السرية ترتبط بنهج اداري عفى عنه الزمن ، يتمثل في اتخاذ القرارات من خلف الستار ، نهج انتهى عمليا في العالم منذ منتصف القرن الماضي ، وظهر نهج جديد اعتمد في كثير من الدول على ما يعرف بـ "مشاركة الجمهور في القرارات العامة". وفي هذا الزمن الذي باتت التكنولوجيا ووسائل الاتصال تساهم بشكل كبير في نقل المعلومات والتواصل بين افراد المجتمع بسرعة فائقة بات من الصعب تجاهل هذا النهج والعمل وفق قاعدة "العادة السرية". ولعل المثال البارز القريب في هذا المجال هو المعلومات التي تم تداولها على نطاق واسع حول قانون الاحوال الشخصية الجديد والذي صاغته لجنة سرية ؟؟! وتسربت مواده بشكل او بآخر للجمهور وللجمعيات والتجمعات ووسائل الاعلام ، وتمت قراءة المشروع كل بحسب منظوره ووجهة نظره واحيانا تم اجتزاء مواد بعينها وتداولها وفق صورة ليس بالضرورة ان تكون صحيحة او واقعية. وفي النتيجة تدخل الجمهور بقوة لاسقاط مشروع القانون "السري" ، قانون يتصل بحياة عشرات الملايين من المواطنين السوريين وكان لا بد لهم ان يشاركوا على طريقتهم.
المناهج الادارية الحديثة ( حديثة بالنسبة لنا على الاقل ) المتصلة بالقرارات العامة تطورت بشكل لافت في السنوات الاخيرة ، ومن خلال التجارب العملية بدأت تتحدد ملامح نهج "مشاركة الجمهور في القرارات العامة". هذه الملامح التي لا تتضمن على الاطلاق اقصاء الجمهور المعني بالقرار الصادر عن صنع القرار ، بل تحدد مدى مشاركته و الدور الذي يلعبه وإن كان مقيدا ، وتبحث في الآليات التي ينبغي استخدامها عندما يكون قبول الجمهور مطلوبا. وقد تبدأ هذه المشاركة من الدراسات الاستقصائية ، وانا لدي معلومات مؤكدة بان بعض الادارات العليا التي يتصل عملها بالشأن العام في سوريا قد قامت في السنوات الاخيرة باجراء مثل هذه الدراسات قبل اتخاذ قرارات هامة وحيوية تحدد مسار الحياة العامة في سورية. ولكن كانت هذه التجارب مبادرات فردية وليست نهج اداري معتمد ، ما يجعل تطبيق نهج "المشاركة" يخضع للمزاجية الفردية ، ويمكن تغيبه في حالات هامة ، وهذا قد يفضي الى ازمات حقيقية. ونذير الازمة قد بدا واضحا في مشروع قانون الاحوال الشخصية الجديد ، والازمة قد تتأتى بشكل مباشر من عدم مشاركة كل الاطراف بشكل او بآخر في صياغة قانون يتصل بتفاصيل حياتهم ومعتقداتهم. وكما اسلفت فان المشاركة قد لا تعني اعطاء القرار كله للجمهور ، فالنهج الاداري الذي يعتمد "مشاركة الجمهور" يأخذ بدايةً تحديد درجة المشاركة ، ومن ثم دراسة الاليات المناسبة لتحقيق مشاركة ناجحة للجمهور ، تضمن هذه المشاركة ملائمة البرامج العامة لاحتياجات المواطنين وزيادة تقبل المجتمع لهذه البرامج. اعتقد بانه يجب علينا ان نفكر في تغيير عادة السرية في اصدار القرارات وتجاهل مشاركة الجمهور ، لان هذا لم يعد خيارا بالنسبة لنا كما في السابق بعد ان توفرت ادوات يمكن ان يتواصل بها المجتمع بسرعة وان يشكل مجموعات ضغط تحرك الرأي العام وتؤثر فيه ، ولكن هذه المرة بطريقة فوضوية وغير مضبوطة ولا منظمة وقد تتسبب في اربكات كبيرة نحن في غنى عنها .. نتجاوزها فقط بان نضع الحصان امام العربة وليس خلفها.
*مادة البيرين : هي ناتج عصر الزيتون بالطرق التقليدية ( المعاصر ) ويتم اعادة معالجتها لاستخراج زيت الزيتون منها ومن ثم تكريره لوضعه في الاستهلاك أو استخراج زيت المطراف ( لصناعة الصابون ). |
|
2009-06-17 02:09:31
|